الجمعة، 30 ديسمبر 2011

بدعة الصراط المستقيم

بدعة الصراط المستقيم بالآخرة
روى البخاري (فتح الباري ج11 ص453)، وروى الإمام مسلم في صحيحه بباب معرفة طريق الرؤية (بالحديث رقم 182) :[.... ويضرب الصراط بين ظهري جهنم فأكون أنا وأمتي أول من يجيز ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل ودعوى الرسل يومئذ اللهم سلّم سلّم وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان هل رأيتم السعدان قالوا نعم يا رسول الله قال فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم ما قدر عظمها إلا الله تخطف الناس بأعمالهم فمنهم المؤمن بقي بعمله ومنهم المجازى حتى ينجى...].
إن هذا الحديث يتخذه دعاة الأزهر والسلفية منهاجا للدعوة الاحتكارية التي يتمتعون بها، وهم يفسرون قوله تعالى: {وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً}مريم71؛ بأن كل الناس سترد جهنم، وتصوروا الورود أنه المرور على ذلك الجسر الذي صنعه خيال بعض السلف.
 فما الذي يجعلنا ننعت هؤلاء بفقدان سلامة التصور، وننعت الحديث بالفساد، وتفسير المفسرين بالوهم الفقهي، إننا لابد أن نجول في سياحة قرءانية ولغوية ونتذوق الأحاديث الواردة ونقارب بينها وبين ذلك الحديث حتى نصل لحقيقة فساد التفسير والحديث في شأن وجود جسر على جهنم تمر عليه البشرية جمعاء.
إن افتراض المفسرين في تفسيرهم لآية سورة مريم السابق ذكرها بأن كل الناس بما فيهم الأنبياء سيردون على النار، أمر فيه  مجازفة وسخف وقلّة علم، وسبب تأليف وتزوير الحديث على رسول الله في هذا الشأن هو إقلابهم لمعنى  كلمة (واردها ) فتلك الكلمة تعني (داخلها أو انتهى إليها) ولا تعني (المرور على النار) كما قال بذلك أهل ترقيع التفسير بفقه مدسوسات الحديث المدسوس على رسول الله والوارد بالبخاري ومسلم، بل أكاد أجزم بأن الحديث تم دسه بالصحيحين.
ولكي نعرف معنى الآية فلابد أن نعرف كل ما ورد بكتاب الله عن ذات الأمر، وكما نعلم فإن كتاب الله غير متناقض، وذلك حتى نعلم ما هو المقصود بتعبير (وإن منكم) هل منا نحن أم من الناس جميعا أم من فئة مخصوصة بعينها، حتى لا يصير تفسير القرءان على هوى من زوروا الأحاديث أو من قالوا عنها انها صحيحة، ولابد لنعلم حقيقة موضوعٍ ما، وليكن موضوع المصير بالآخرة، فلابد أن نتدارس جميع ما ورد بكتاب الله عن هذا الأمر، ولا نُفَسِّر القرءان بالقطعة، فينشأ عن تفسيرنا تناقض لا نقصده.
يقول تعالى بسورة الأنبياء: { إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ{101} لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ{102} لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ{103}.
·        فهل الذين لا يحزنهم الفزع الأكبر.
·        ولا يسمعون حسيس النار.
·        وهم عنها مبعدون.
سيردون (أي يدخلون) أو حتى يمرون على النار؟!، في زعم من قال بأن الورود يعني المرور.
وتتبع معي أحداث الآخرة، أيكون الصراط المزعوم أنه جسر على جهنم قبل الميزان وقبل  قراءة الكتب وقبل مجادلة كل نفس عن نفسها أم بعدها، فإذا كان قبلها وستأخذ الكلاليب الموجودة على جانبيه الناس فتغمسهم في النار على قدر أعمالهم، فلو كان الأمر كذلك فلا داع لميزان ولا قراءة كتب.
نخلص من ذلك بأن أمر الصراط المزعوم أنه جسر على جهنم يكون بعد الميزان وقراءة الكتب ومجادلة كل نفس عن نفسها.
 وهنا يجب أن تتدبر ما ورد بسورة الحاقة حيث يقول تعالى: { يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ{18} فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ{19} إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ{20} فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ{21} فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ{22} قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ{23} كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ{24}.
 يعني ذلك أنه بمجرد أن تسلّم كتابه بيمينه وقرأ ما فيه يكون في عيشة راضية، سواء دخل الجنة أم لم يدخلها، مما يستحيل معه أن يرد النار بعدها، أو أن تقول الرسل اللهم سلم كما ورد بالحديث المُزَوّر على الإسلام والوارد زورا بالبخاري ومسلم، بل إن الحديث المزعوم يرى أن النبي صلى الله عليه وسلّم سيرد أيضا على جهنم، فكيف يكون ذلك طالما أن الله سيدخله والرسل الجنة حتما، لا أرى سببا إلا مرض يسمى (هذا ما ألفينا عليه آباءنا).
وتدبر أيضا ما جاء عن هذه الفئة الراضية المرضية منذ أن توفاها الله  حال حياتها وقال: يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي، فهل يرجعون راضين مرضيين، وهم أصلا مطمئنين ليردوا بعد ذلك على جهنم، فما هي فلسفة ذلك الورود، إلا خراب المنطق بسوء فهم كتاب الله.
فهل النفس المطمئنة الراضية المرضية التي سبق لها من الله الحسنى، سترتعد فرائصها على ذلك الجسر المزعوم وتقول اللهم سلم اللهم سلم، فأين الطمأنينة إذًا، وأين الحسنى التي سبقت الحساب، وأين البُشرى التي يُبشّر الله بها عباده الصالحين، طالما أن الجميع سترتعد فرائصه على ذلك الجسر اللعين ويتمنى أن ينجيه الله، والأنبياء يدعون اللهم سلّم، وما فائدة الميزان بين صالح وطالح، وأين فرحة من أوتي كتابه بيمينه طالما سيستذل على الصراط ويتشكك ويخاف وقوعه أو عدم وقوعه في جهنم.
ويذكر الله أيضا عن هذه الفئة الناجية بسورة الأنبياء: { إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ{101} لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ{102} لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ{103}.
فما معنى [مبعدون]؟، أيعني أنه سيتم إبعادهم، أم أنهم مبعدون بالأصل؟، أيهما الأوفق في ذهن من يتشدقون بأنهم أساطين اللغة العربية؟، ألا يعني قوله تعالى:[ أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ]، بأنهم في مكان ليس به جهنم، لأنه سبق القرار بإبعادهم فهم مُبعدون بالأصل.
وما معنى [لا يسمعون حسيسها] عند من قال بضرورة الورود على النار، وهل سيردون على النار وهم لا يسمعون حسيسها فقط، لا بل إن الله يقول: [وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون]، فهل يعني ذلك أنهم لا يسمعون حسيسها وهم يمرون عليها، ثم يدخلون الجنة بعد أن يردوا على النار، فأي تقسيم سخيف يتصوّره أصحاب تلك المعتقدات.
ثم تتبع معي باقي المشهد الأخروي الآكد، لكن هذه المرة من الجانب الآخر، جانب الكافرين والفاسقين، حيث يقول تعالى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ{25} وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ{26} يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ{27} مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ{28} هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ{29} خُذُوهُ فَغُلُّوهُ{30} ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ{31} ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ{32} إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ{33} وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ{34} فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ{35} وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ{36} لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِؤُونَ{37}.
هذا يعني انه بعد أن يتسلم كتابه بشماله يتم قيده بقيود استعدادا لدخوله الجحيم.
وهؤلاء يقول الله تعالى فيهم بسورة الأنبياء: { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ{98} لَوْ كَانَ هَؤُلَاء آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ{99} لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ{100}.
 فتدبر هنا قوله تعالى (أنتم لها واردون)  أي (داخلون)، وقوله تعالى: (ما وردوها) يعني (ما دخلوها)، وهو دليل ثان يؤكد بأن كلمة (واردون) يعني (داخلون)، وأن تعبير (ما وردوها) يعني (ما دخلوها)، فأين يقع الميزان الفكري لمن قالوا بأن الورود هو المرور، إلا انه ميزان باطل.
وثالث البراهين التي تؤكد أن كلمة (واردها) تعني داخلها ولا تعني أنه يمر عليها، هو قوله تعالى بسورة هود: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ{96} إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ{97} يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ{98}؛ فالورد المورود هو الرصيد الداخل في النار......أعوذ بالله.
ورابع الأدلّة قوله تعالى [فلما ورد ماء مدين] تعني فلما أدرك ماء مدين إدراكا فعليا وصار عنده شأنه كشأن الباقين، لكن كما أسلفنا فإن المؤمنين سيكونون أبعد من حتى أن يسمعوا حسيس النار، فكيف نقنع بحديث أو تفسير يقول بأن نبينا سيرد على النار ويقول اللهم سلم اللهم سلم، وألا يعني قوله اللهم سلّم أنه خائف؟!، فكيف يخاف أحد ممن يقول الله لهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
بل ومن فساد متن الحديث وعدم اتساقه مع الآية التي يتخيلون بها ورود كل الخلائق على النار، أن الحديث يقرر بوجود ميزة السبق في العبور وأن أول الذين سيجوزون ذلك الصراط المزعوم هو سيدنا محمد ثم أمته.
 إن ذلك يعني إن عم عطية بتاع الفول سيجوز الصراط قبل أسيادنا آدم ونوحا وعيسى وموسى وإبراهيم، أي سيحظى بميزة عنهم، وما ذلك إلا لنرجسية تمتعت بها ثقافتنا، فبينما يقول تعالى: {إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ }آل عمران33، نقول نحن بأن الله اصطفى أمة محمد قبل آدم ونوحا وموسى وعيسى وإبراهيم صلى الله عليهم وسلم أجمعين.
 ومن يحتكرون العلم من الذين يتوهمون عرضًا زائفًا للمؤمنين على النار إنما يخالفون مُحكم التنزيل، فما نص القرءان على ذلك، بل نص أن العرض على النار لا يكون إلا للكافرين فقط، وتدبر قوله تعالى: {وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضاً }الكهف100.
ويقول سبحانه: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ }الأحقاف34. فما يكون عرض المؤمنين على النار إلا من خلال أدمغة ما نظرت بموضوعية لأمر المصير بالآخرة.
ومما يدل على أن الورود إلى جهنم لا يكون بجسر من فوقها، قوله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ}الزمر71.
 فلو كانوا فوقها أصلا ما قال الله كلمة [وسيق]، ولو كان كل الناس ستساق إلى جهنم لترد عليها، ما قال الله تعالى: [وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ]، فخصص الله الفئة التي يحدث اقتيادها إلى جهنم، ثم هم سيدخلون من أبوابها السبعة، التي ستُفتح لهم، وليس بكلاليب على جانبي الجسر الخرافي.
والبرهان الثاني أن الدخول إلى النار يكون عبر أبواب وليس بالسقوط من أعلاها، وذلك لقوله تعالى بسورة الحجر: { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ{42} وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ{43} لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ{44}. فليس بالأمر كلاليب.
وتلك الآيات الأخيرة من سورة الحجر بها القول الفصل، حيث يقول تعالى (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ)؛ فكلمة (أجمعين) هنا تعني جميع (الغاوين) وليس جميع الناس، فلو كان للمؤمنين موعد بجهنم كما انتهى مفسروا آية (وإن منكم إلا واردها) ما خصص الله موعد جهنم للغاوين فقط.
والحقيقة أن الفقيه قديما كان يبذل قصارى جهده، وكان يُفَسّر كتاب الله بالقطعة، فلم يكن لديه الأدوات التي تجمع له كل آيات اليوم الآخر ليستخلص الصورة الحقيقية لذلك المشهد العظيم، وبهذا نشأ تضارب المعاني والمواقف بين الفقهاء، بل وفي أقوال الفقيه الواحد.
وبنظرة ثالثة نتأمل بها موضوع دخول النار، وأن الداخلين إليها لا يسقطون فيها لكنهم يحشرون إليها تسوقهم الملائكة، وهم يحشرون على وجوههم صما وعميا وبكما ويحشر بعضهم ولونه أزرق، فالمسألة ليست جسر وسقوط فيه، وتدبر معي ما ورد بالقرءان عن تلك المعاني السابقة لتعلم بحقيقة خرافة جسر جهنم ومرور كل الناس فوقه وسقوط البعض، فكلها خزعوبولات ما أنزل الله بها من سلطان.
·        {.... وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً }الإسراء97.
·        {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً }الفرقان34.
·        {يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً }طه102.
·        {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى }طه124.
بل يجب أن نتناول موضوع هام عن حشر أهل النار على ركبهم حولها، حيث يقول تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً }مريم68. فهم يحشرون حولها ولا يحشرون فوقها، وهم فقط الذين يحشرون إليها.
فإحضارهم بعد الحشر حول جهنم تعني إحضار الكافرين جاثين على ركبهم يؤكد خصوصية الاقتراب من النار للكافرين والفاسقين الذين رجحت كفة سيئاتهم على حسناتهم.
أما المتقين فلا يشعرون بجهنم ولا اقترابها ولا يسمعون حسيسها، لأنهم عنها مُبعدون، وفيما اشتهت أنفسهم خالدون، بل ويرتقون من حسن إلى أحسن، فبذلك يستقيم معنى كل الآيات ولا يتضارب ثم يحتاج لتبرير المبررين وتأويل المتأولين ليرفعوا الحرج عن النص القرءاني الذي جهل الفقهاء عليه دون دراية منهم.
وفي رحلة تدبر لتفسير قوله تعالى: { فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً{68} ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيّاً{69} ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيّاً{70} وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً{71} ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً{72}.
فمن يتعقل الأمر يجد أن تعبير [ وإن منكم إلا واردها] لا علاقة له بالآية التي تليه في شأن الورود بالنار، [ثم ننجي الذين اتقوا]، فالذين اتقوا لا يسمعون حسيس النار وهم عنها مبعدون أصلا، وهم الذين لا يمسهم أي سوء مادي أو معنوي، حيث يقول تعالى: {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }الزمر61.
بل يعني الأمر بأن أهل النار سيدخلون النار قبل أن يدخل أهل الجنة للجنة، ومن يصاحب القرءان في الدنيا يعلم تلك الخصيصة عن مصير الكافرين والمجرمين والفاسقين، فدوما يذكر القرءان مصيرهم أولا ثم يذكر مصير الصالحين، ومن أراد أن يستوثق عن هذا الشأن فليتدبر أواخر سورة الزمر، والآية الأخيرة من سورة الأحزاب، والآيات من 19 ـ 23 من سورة الحج، والآيات من 98 ـ103 من سورة الأنبياء، والآيات من 104 ـ 108 من سورة الكهف، والآيات من 28 ـ 32 من سورة النحل، والآيات من 106 ـ108 سورة هود، ليعلم بأن الله يذكر دوما مصير أهل جهنم ثم يتبعها بذكر مصير أهل الإيمان.
وأكتفي بهذا القدر ليعلم من يريد التدبر أن قوله تعالى وإن منكم إلا واردها كانت عن الكافرين من شياطين الإنس والجن، ودخولهم النار أولا، ثم وهذه الكلمة (ثم) تقال حين يكون هناك تراخ، ثم يُنجِّي الله الذين آمنوا والذين هم مستبشرون بنعمة من الله وفضل لا يَمَسُّهُم السوء، بالصورة التي لا تناقض فيها بين النص القرءاني وبعضه، مع استمرار خلود الكافرين بالنار.
وإنه لا يحق لنا كي نحافظ ونحتفظ برؤية من رأي بأن قوله تعالى [وإن منكم إلا واردها] بأنها تشمل كل الناس الصالحين والطالحين، أن ننقب جدار المنطق ونخالف كل الآيات الأخرى الواردة عن عدم خوف المؤمنين وعدم حزنهم وبعدهم عن النار وعدم سماعهم حسيسها وعدم دخول النار من أعلا وتخصيص الحشر حول جهنم للكافرين والفاسقين، لننتهي بصواب فكرة وحيدة لمن قال بورود الجميع على جهنم.
وقد يختلط الأمر على البعض فيتصور بأن قوله تعالى: {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }الزمر61؛ يعني النجاة من أن تمسهم النار بسوء حين يردون عليها وفق منهج الفارين إلى الفكر البدائي، لكن بقليل من التدبر يجد أن النجاة تكون ب [بمفازتهم]، وتلك المفازة هي الهداية والرحمة التي وهبها الله لهم في الدنيا لتكون حظهم بالآخرة، لأن الله تعالى  دوما يقول[وهل تجزون إلا ما كنتم تعملون] ويقول تعالى [وما تجزون إلا ما كنتم تعملون]، فعملك هو مفازتك التي فزت بها في حياتك وهو الذي يجعلك من الفائزين في الآخرة.
وإننا إن تصورنا نجاة من السقوط في جهنم فإننا نكون قد اخترقنا حاجز المعنى السليم لقوله تعالى [لا يسمعون حسيسها] واخترقنا تدبر [ أولئك عنها مبعدون] وأهملنا قوله تعالى [لا يحزنهم الفزع الأكبر]، ولم نكترث لوعد الله للمؤمنين بأن يرجعوا راضين مرضيين.
فكيف ستكون بعيدا وأنت فوق جهنم ترتعد فرائصك من الهول، والرسل تدعو لأنفسهم ولك اللهم سلم، ألا تستشعر كمّ الخوف والقهر الذي يصوره لك الحديث المدسوس، أيكون هذا هو حقيقة وعد الله [لا خوف عليهم ولا هم يحزنون]؟!!، أيصلح أن يكون هذا فكرا يمكن الاعتداد به لتدبر كتاب الله.
بل وتدبر قوله تعالى عن صراطك المستقيم الذي تدعو الله أن يهديك إليه في كل قراءة لفاتحة الكتاب، حيث يقول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ }فصلت30. فهل يبشرك الله بالجنة مقدما على أن تمر على النار أولا؛ يا ناس كفاكم سيطرة تلك العقليات على ثقافتكم وأفكاركم عن ربكم.
إن المسلم المستقيم لا يخاف ولا يحزن بل ويبشره الله في الدنيا قبل الآخرة برحمة منه ورضوان وجنات فيها نعيم مقيم، وليس بالأمر منغصات، ولا دعاء اللهم سلم اللهم سلم كما ورد بحديث البخاري ومسلم.
لأن أصل الفوز يكون في الدنيا، ومصيرك مُعلّق بطاعتك لربك فيها، وسعادتك تكون مجرد خروج نفسك إلى بارئها، فيقال لك [يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية]، فالرجوع بالرضوان والطمأنينة يتنافيان مع فوضى جسر جهنم.
الصراط المستقيم
والصراط المستقيم لا علاقة له بالآخرة، فهو صراطك في الدنيا وليس بالآخرة، وليس بالآخرة صراط إلا بدعة ابتدعها من ابتدعها، وصرنا نتوارثها بنظرية ذمّها الله في كتابه وهي [هذا ما ألفينا عليه آباءنا]، وسأستعرض معكم بعض الأمثلة في هذا الشأن فتدبر معنى الآيات التالية:
·   {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }آل عمران101.
·        {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }الأنعام161.
·        {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }الزخرف43.
·        {أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}الملك22.
·   {وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ اللّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }الأنعام39.  
هذا إلى غير قوله تعالى [والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم]، فالاستقامة تكون بالدنيا دوما ولا علاقة لها بالآخرة، وهي الصراط المستقيم الذي هدانا الله إليه بالدنيا وهو القرءان الكريم، لذلك يقول تعالى: {وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }الأنعام153. لذلك فلابد أن نخلع فكرة وجود صراط بالآخرة أيا كان نوعه.
لذلك أرى بأن اتخاذ العقائد ومسلمات من أفكار بعض المتخصصين إنما هو نوع من أنواع صناعة معصومين جدد، وإن إخضاع تفسير كتاب الله لكتب الحديث وهي كلها تقريبا روايات آحاد أمر لا يستقيم به فقه ولا تفسير ولا بيان ولا دعوة إلى الله، وهو أيضا صناعة ونشر للبدعة في الدين، وما ذلك إلا تعظيم من لا يستحق مكافأة له لنشره للباطل في عقولنا.
لذلك لابد من التفسير الموضوعي لكتاب الله كما أشار بذلك الإمام/محمد الغزالي (رحمه الله)، ولابد ألاّ نقدّم فقه الرواية على فقه الآية، لأن في غير ذلك إساءة لكتاب الله وللإسلام أيما إساءة، وأسأل الله أن يوفق أهل الأزهر لما فيه صالح الأمة، لأنهم أهل العلم الذين نتطلع أن ينقحوا تلك المدسوسات في أقرب وقت.          
                                                            مستشار/أحمد عبده ماهر
محام بالنقض ومحكم دولي وكاتب إسلامي

هناك 4 تعليقات:

  1. موضوع رائع! جزاك الله خيرا.. فمزيدا من مثل هذه المواضيع الهادفة.. أعلم أن الطريق شاق والمهمة كؤود؛ لكن بالمثابرة والثبات سنصل إلى الغاية وسنكسب ثقة هؤلاء الإخوة إلى الصف.. صف الحق والعلم والمعرفة..

    ردحذف
  2. لويس افتح حساب جديد بتويتر الله يخليك...مره افتقدناك كلنا

    ردحذف
  3. فتح الله عليك يا اخي وجزاكم الله خير الجزاء

    ردحذف
  4. كلام منطقي و لكن إلى أكثر الناس إلا أن يتبعوا الخرافات و يذرون كتاب الله تعالى الواضح الصريح

    ردحذف