أنـا والشيطان
حين تنتشر في عقلك أكاذيب وخيالات وخبالات تظن بأنها من الدين والمقدسات، فحينئذ لابد أن تعلم بأنه تم تجذير مرض النقل بلا عقل فيك، وتعلم بأنك تفتري أو تشارك في الافتراء على رسول الله الذي كان خُلُقُه القرءان.
فحين تُسمي الله قبل كل شيء فذلك شيء محمود، لكن أن تعتقد بأنك إن لم تسم الله قبل الأكل فإن الشيطان يأكل معك، أو تتصور بأنك إن تذكرت التسمية فسميت الله بعد أن تكون قد أكلت نصف طعامك بأن الشيطان يتقيأ ذلك الطعام، أو تتصور بأن شيطان الكافر سمين وشيطان المسلم هزيل.
وأن تعتقد حين تدخل دورة المياة بقدمك اليسرى وتتعوذ بالله من الشيطان الرجيم الموجود بداخل الحمام، فإن ذلك الشيطان الموجود بدورة المياه لن يؤذيك، أو تطلب من ابنك الصغير ألا يخرج إلى الطريق لاعتقادك بأن بالليل توجد بالطرقات شياطين يمكن أن تؤذيه، فالتعوذ محمود على كل حال، لكن تلك المعتقدات العالقة به هي السقوط الفكري بعينه.
وأن تعتقد بأن تعوذك من الشيطان حين تجامع زوجتك فإنه إن قُدِّر لكما مولود من ليلتكما فلن تمسه الشياطين، أو تتصور بأن الغطاء عليكما حال الجماع يمنع الشيطان أن يراكما، فتلك أوهام.
وأن تعتقد بأن تغطية الأطعمة ليلا تمنع عنها غوائل الشياطين.
وأن تتصور بأن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان بينما أنت تراها جميلة، لكنك تعتقد هذا لأن هناك حديث يقولون عنه بأنه نبوي يقول ذلك.
وحيث تتصور بأن النظرة للمرأة سهم مسموم من سهام إبليس.
أو تعتقد بأن أبو هريرة أمسك بالشيطان الذي يسرق من بيت المال.
أو ان النبي أمسك بالشيطان وضغط على رقبته حتى سال ريق الشيطان على كف النبي، ثم تركه ولم يكمل قتله، لأنه أراد أن يثبت أنه أعظم شأنا من سيدنا سليمان، لكنه شارك الله في تحقيق رغبة سليمان الذي كان قد طلب ألا ينبغي لأحد أن يكون له ملك كملكه وسيطرته على الشياطين.
وحين تتصور بأن المسافر شيطان والمسافران شيطانان والثلاثة ركب، فتحاول أن يكون لك رفيقان أو أكثر حال السفر.
وحين تتصور بأن الشياطين تحوم حول الرائحة النتنة وأنها تحوم حول أظافرك القذرة، فأنت مريض بداء عضال ولابد أن تعود الطبيب النفسي.
فكل ما سبق ما هي إلا عقائد يعيش بها المسلم ولها دليل من مدسوسات الحديث النبوي، ولسنا نقلل من قيمة التسمية والتعوذ دوما، لكن أن نترسم أمورا بعينها تنفعها التسمية أو تمنعها الاستعاذة، فذلك هو الوهم الذي نعيشه، أو نتصور أمورا كاذبة بأنها حقيقية كالشيطان الذي يسرق من بيت المال، فإن وهما كهذا يجعل من فقد شيئا يتصور بأن الشيطان سرقه، وتلك الأوهام الفكرية ينبثق منها معتقدات أخرى لا تقل خطورة.
تلكم كانت عينة من معتقدات إضلال الأمة بفقه الأئمة، وقد ساهم القفص الحديدي الذي لا يريد الفقهاء منا إلا البقاء فيه في تكريس العقل الخرافي للمسلمين، ذلك القفص الذي أقيم على أسس البخاري ومسلم وغيرهما، ويا ليتهم حققوا ما قام به رجال الحديث في عصورهم وتأكدوا من عدم تسلل الزيف إلى ذلك التراث الضخم، لكنهم ـ ولأسفي ـ نقلوا عنهم ولم يمحصوا، فقد تم الدس على الأحاديث والمرويات ولم يسلم منهم البخاري ومسلم، وراح الفقهاء يدفعون الناس لتقديس تلك الأحاديث حتى فسدت عقائد الأمة وأصبحت الغالبية تشرك بالله، وتخاف غير الله، وتتصور الأوهام في القبور والظلام والوحدة، فكثر التفاؤل والتشاؤم، وراج سوق العرافين، ومن يعقدون السحر ومن يفكونه، حتى لا تكاد تجد أمة بها كل هذا الوهم.
مستشار/أحمد عبده ماهر
محام بالنقض ومحكم دولي وكاتب إسلامي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق