الجمعة، 30 ديسمبر 2011

قتل المسلمين بفقه الأئمة

قتل المسلمين في فقه الأئمة
من المعلوم بأن العرب كانوا أهل لغة وفصاحة، والنبي صلى الله عليه وسلم أفصح الناس، فلقد وُلد في بيئة الفصاحة، فحين نقول نجح التلاميذ إلا أربعة، فيعني هذا أن الراسبين أربعة، وإن قلنا فليذهب الجميع إلا الأطباء والمحامون، فيعني هذا أن الأطباء والمحامون لن يذهبوا، فكلمة (إلا) تحصر الأمر فيما يأتي بعدها.
 ولنتدبر الحديث التالي من صحيح مسلم بكتاب القسامة والمحاربين باب ما يباح به دم المسلم ، حديث رقم[ 1676 ] حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حفص بن غياث وأبو معاوية ووكيع عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث الثيب الزان والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة.
فمع أن مدار هذا الحديث على الأعمش المعروف بتدليسه، ومع أن الطرق الأخرى أكثر ضعفًا من هذا السند، مما يزيد ضعف الحديث ضَعفًا على ضعف، لكنهم يقدسونه ويضعونه موضع الاعتبار لأنه ورد بصحيح مسلم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ومع أن هذا الحديث يعارض بوضوح آية رقم 2 من سورة النور{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا}، لكن القضية التي  أود التركيز عليها هي أن هناك أصنافًا يجوز قتلهم أو يجب ولم يذكرهم هذا الحديث، وهذا مِن أهم أدلة بطلانه.
يقول الله تعالى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} (المائدة 34).. وهذا يعني أن هناك جرائم توجب التقتيل والتصليب، وهي الإفساد في الأرض. وهذا الإفساد ليس محصورا في القتل أو التسبُّب فيه، وغير محصور في إفساد الكافرين.
إن الإفساد في الأرض لفظ عام، وتطبيقه مسألة اجتهادية تعتمد على نظرة القاضي، فالذي يروّع الآمنين مفسد، والذي يغتصب النساء مفسد، والذي ينشر الفاحشة مفسد، والذي ينشر المخدرات ويسعى لجعل الناس يدمنون عليها مفسد..
كما أن الخائن يجوز أن يُقتل وإن لم يتسبب في قتل أحد. وكذلك الباغي المنضمّ إلى فئة مقاتلة متمردة.
فحديث الأعمش يمنع مِن قتل أيٍّ مِن هؤلاء، فالذي يغتصب الفتيات حتى الطفلات منهن لا يُقتل عنده، والذي يتعمّد أن يُعلِّم الأطفال وغيرهم إدمان المخدرات لا يُقتل عنده، والذي يقود عصابة لترويع المسافرين وسلب حاجياتهم واغتصاب نسائهم يحرم قتله!! والذي يُسلِّم كل المعلومات للعدو يحرم قتله عنده، والذي ينضمّ إلى فئة مقاتلة ويقاتل معها فلا يُقتل عنده إلا إذا تسبب في القتل مباشرةً!!.
من هنا فالحديث لا يمكن أن يكون صحيحا، ليس لأنه ناقض آية جلد الزاني فحسب، بل لأنه منع مِن قتل مَن يجب قتله حسب آية الحرابة، وأيضا آية {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} (الحجرات 10). بل لقد خالف الحديث أحاديث أخرى توجب القتل.
والذين يجب قتلهم في فكر الناقلين للتراث بلا عقل أكثر من الذين ذكرناهم؛ فعندهم الساحر يُقتل، كما أنهم يوجبون قتل مَن بويع خليفةً بعد بيعةِ خليفة سابق له ، أو بويع اثنان معا، لحديث بصحيح مسلم أيضا كتاب الإمارة باب إذا بويع لخليفتين حديث رقم           [ 1853] عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما، فهل لا يقتل إلا الثلاثة أصناف الذين ذكرهم الحديث الأول أم نقتل معهم أي خليفة ثاني يتم انتخابه، أعني بذلك أنه يجب قتل واحد من الرئيسين المنتخبين ولا نعيد الانتخاب ليفوز أحدهما.
بل حين حكموا بقتل من لا يصلي تكاسلا بعد استتابته ثلاثة أيام، يكونوا قد خالفوا الحديث الأول الذي يحدد أصنافا ثلاثة فقط (الزاني والقاتل  والمرتد)، فأين فقههم في قتل مانعي الزكاة إذا كان الحديث يحدد ثلاثة أصناف فقط.
ولعلهم يحكمون بقتل مزيد من الأبرياء أيضا؛ فالحديث يتناقض مع الفكر الواع أكثر مما يتناقض مع أحاديث غيره ومع الآيات القرءانية، ولكن الأئمة لا يشعرون!؛
والذي أراه –والله أعلم- في الأمور الكبيرة لا يُحتجّ إلا بالقرآن العظيم. أما الحديث فيساند القرآن لا أنه ينشئ أمورا عظيمة لا ذِكر لها في القرآن الكريم.. تصوَّروا أن يتحدث القرآن عن الجلد ويغفل الرجم!! فلماذا؟ ثم تصوَّروا أن آية الجلد تبقى في القرآن وتسقط آية الرجم، فلماذا!! لقد آنَ لِعَبث الفكر التقليدي أن يتوقَّف.

هناك تعليق واحد:

  1. تكمن هنا مشكلة كبيرة:
    "إن الإفساد في الأرض لفظ عام، وتطبيقه مسألة اجتهادية تعتمد على نظرة القاضي،"

    ردحذف