الجمعة، 30 ديسمبر 2011

خطة الاستيلاء على الأزهر

خطة الاستيلاء على الأزهر
هل أصبحت مصر ملجأ للثقافة الوهابية، أم ان تلك الثقافة ترتع منذ القرن الماضي بمعرفة نظام الحكم الذي كان قد سلّم زمام الريادة الدينية للسعودية، فأضحت السلفية الوهابية بمصر كلعنة الفراعنة بالقبور، وسلّم مياة النيل لدول إفريقيا، وسلّم الثقافة للبنان، وسلم المعابر لإسرائيل، وانفرد بشعب مصر يظلمه، وبثروتها نهبا واستغلالا.
كيف بمصر وكانت دوما عاصمة الدين والثقافة بالشرق أن يتراجع دورها الإقليمي والعالمي، لذمة فقهاء البادية، كيف تركت الدولة الشرطية بالنظام السابق حفنة من الرجال لتعبث بعقول الأطفال والشباب وأصحاب الثقافات المتواضعة من شعب مصر.
فتلك السلفية الوهابية المدعومة من بلاد البترول بالشرق تملك سبعة آلاف مسجد وزاوية بمصر المحروسة، وملحق بكثير من تلك المساجد حضانات للأطفال، يسمعون لنصح محموم من المشرفات والمشرفين تحت مظلة أن الله يحبك إن فعلت كذا وكذا وبغضب إن فعلت كذا وكذا، فهكذا تم غرس السلفية الوهابية في عقول أطفالنا.
وانتشرت بها ما يسمى معاهد الإمامة لتخريج أئمة سلق بيض ليقودوا حركة الخطابة بل والدروس الدينية بالمساجد، بفقه سلفي يتصور زعماؤه انهم أهل صدراة الفهم الإسلامي، حتى أصبح شعب مصر فريسة لهذا الفكر البدوي المتنامي.
والسؤال الذي يحدونا، أيكون كل ذلك من أجل الاستيلاء على الأزهر؟، والإجابة بنعم، ألم تكن جبهة علماء الأزهر التي أنشأها البعض أحد المعاول السلفية بالأزهر، وهي الجبهة التي تصدى لها شيخ الأزهر الراحل بالحل، لكنها ما زالت تعمل ضد الأزهر حتى اليوم لصالح الوهابية السلفية، فهي الطابور الخامس الوهابي داخل الجسد الأزهري لنشر الفقه البربري.
الفقه السلفي وثورة يوليو
لقد أشاعت تلك الجبهة ـ ضمن ما أشاعت ـ أن ثورة 23 يوليو أضعفت الأزهر، وراح الكثيرين من شعب مصر يردد تلك المقولة، إن ثوار السلفية يريدون تصوير ضباط ثورة يوليو على انهم مجموعة من العلمانيين الذين يعملون ضد الأزهر، فأين وجه الحق.
إن الواقع الذي عشناه هو خير شاهد، فلقد قامت ثورة يوليو بنشر وتوسيع النطاق الجغرافي للدعوة الأزهرية، فالأمر ليس كما يبدو للعامة من أن الدولة جعلت الأزهر تابعا ذليلا لها، فما من أحد بالدولة يسيطر على رجال الأزهر فيما يقولون، أما منع البعض من الخطابة فكان وفق إجراءات إدارية من رجال الأزهر بعضهم على بعض، وقد كان الشيخ كشك يهاجم عبد الناصر وحكوماته اسبوعيا بخطبة الجمعة، وكانت شرائط خُطَبه تباع على الأرصفة وفيها من الذم للحكم ورجاله ما فيها، وما كانت مباحث أمن الدولة وقتها تفعل شيئا إلا استدعاؤه لتبين له الوجه بين الواقع الحق والباطل من كلامه، فلا يلبث أن يعود ليخطب الجمعة التي تليها، واستمر ذلك طوال حياة الشيخ.
ولقد كان الأزهر قبل ثورة يوليو مؤسسة ذكورية لا يتعلم فيها إلا الذكور، فجاءت ثورة يوليو فنشرت العلم الأزهري في نصف المجتمع المظلم والمظلوم، فأنشأت معاهد أزهرية للبنات، وحصلت الإناث وأتاحت لهن أرقى الدرجات العلمية بالأزهر، وما الدكاترة/ سعاد صالح وآمنة نصير وغيرهما إلا نتاج ثورة يوليو لنشر التعليم الديني ومحو الأمية الفقهية للإناث، وهم الثمرات اليانعة التي تشهد على زيف المنادين بتطوير واستقلال الأزهر ليعود ذكوريا كما كان.
ولقد قامت ثورة يوليو بإنشاء مدينة البعوث الإسلامية، فانتشر الفقه الأزهري في ربوع الدنيا حين ازدهرت الدراسة به على نفقة الدولة لكل الجنسيات، ويقوم الأزهر سنويا بالاحتفال بما يسمى بالرابطة العالمية لخريجي الأزهر، وتعقد ندوات التعارف بين أجيال الدول المختلفة من أبناء الأزهر، وكان آخرها بشهر يناير من هذا العام قبل ثورة 25 يناير مباشرة.
وحين ترى ثورة يوليو أن مهمة الدعوة الإسلامية لا تنحصر في فقه الشعائر من صلاة وصوم وزكاة وحج فقط، لكن يمتد ذلك لتخريج الطبيب والمحاسب والمهندس الزراعي المتفقه في أمور دينه، فأنشأت كليات لهذه التخصصات وغيرها لتستقبل الدارسين الأزهريين، ألا يكون ذلك تطويرا ونشرا للدعوة الأزهرية، فحين ترى الدعوة السلفية ذلك النهج رِدَّة عن فهم السلف لمعاني الدعوة والدين فلا يكون العيب في رجال الثورة، إنما يكون في فكر تحنيط الفقه والعلوم عند حدود الشعائر واللغة العربية، وما أرى إلا لأن ذلك الفكر لم يألف تطور الأفكار وحرية العقول، لذلك فهو ينعت علماء الأزهر بأقذع ما يمكن من القول ويزعم بأنهم علماء السلطان، وهو ما يقابله رجال الأزهر بابتسامة الواثق المغبون.
وإذا كان الأزهر يمر بمحنة دعوية، فإنه لا يمر بمحنة فقهية، فيجب عدم استثمار بعض نقاط الضعف لينساق خلفها كل من يفتن بفقه البلادة السلفية، ولقد قال شيخ الأزهر في اجتماع الرابطة العالمية لخريجي الأزهر:[ان الأزهر الشريف مر في الفترة الماضية بحالة من الضعف أثرت على دوره كمرجعية كبرى للعالم الإسلامي لنشر وسطية واعتدال الإسلام في جميع أنحاء العالمٍ وهو عازم برجاله وعلمائه على الإصلاح].
العبث الوهابي الدولي للاستيلاء على الأزهر
إن العمل ضد الثورات الشريفة هو دأب دول بالمنطقة كانت تستفيد دوما كلما ضعف نظام الحكم بمصر، وهل كان للصوت السلفي أن يرتفع إلا بأموال تتدفق باستمرار لنشر الفكر الوهابي عبر الأقمار الصناعية، فبعد أن كانت السلفية تُحرِّم التلفاز، أصبح اتباعها ومشايخها نجوما به، إن الأموال التي يتم دفعها لنشر الدعوة الوهابية على القمر الصناعي (نيل سات) كلها بترولية.
فهل الاستيلاء على الأزهر هو أحد الأطماع التي تعمل لأجلها دول تعمل على إضعاف الأزهر بإنشاء طابور خامس وهابي به؟، وهل من بصر وبصيرة لنكشف زيف هذه الأفكار البدوية التي تفرح لإسلام كاميليا شحاته ووفاء قسطنطين، أوالزانية الشهيرة مع الزاني السلفي، وتقيم لهن المظاهرات، وكأننا بدار الأرقم ابن أبي الأرقم، فتراهم يهللون ويكبرون عند إسلام فتى واحدا أو فتاة، إنه الفكر السلفي البدوي الذي لا يتطور أبدا مع مرور الزمن عليه، وهو الفكر الذي يعمل على عواطف العامة ليجمع حوله القلوب الساذجة فيتقوى بها.
والخروج على الحاكم الظالم حراما في فقه السلفية، لذلك لم تشترك السلفية بثورة 25 يناير، إلا في آخر يومين، ذرا للرماد في العيون، إن الدول التي تغذي السلفية الوهابية بمصر لا تريد لمصر إلا أن تظل في أوحال نظام ترتاح له تلك الدول، وهل يكون التظاهر ضد الحاكم حراما بينما يكون التظاهر السلفي في وجه الإمام الأكبر شيخ الأزهر حلالا؟، كيف يفكر ذلك الصنم السلفي المتناقض الذي ثار وتظاهر ضد شيخ الأزهر؟.
إن الأزهريين اتباع المنهج السلفي ليسوا خطرا على الأزهر فحسب، بل هم خطرا على مصر بأسرها، والسلفية عموما هي الخطر الناعم الذي يتوغل باسم الدين بل يزعمون زورا أنهم يمثلون صحيح الدين، فهل الطعن في شيخ الأزهر تارة وبالمفتي تارة، وبالبابا شنودة تارة ثالثة، وإشاعة فكرة العلمانية ضد المثقفين من أبناء مصر، والتظاهر في مواجهة الكاتدرائية، وحرق الكنائس بل وهدمها بالبلدوزر، والاستيلاء على المساجد، وهدم قبور الصالحين، أمر تغذيه ثقافة فقط أم يغذيه فكر ومال دول يجري الدولار بباطن اراضيها بترولا لخدمة ذلك الفكر.
إن محاولة زعزعة استقرار الدولة بافتعال هياج في كل مكان، والطعن في كل ما هو غير سلفي، لا يمكن لداعية سلفي أن يقوم به بمفرده، ولا تنهض به إلا دول بترولية تنتحب لقرب زوال ملكها الفكري بمصر، فتكون السلفية هي الأداة، ويكون الأزهر هو الهدف والكعكة التي ستقدمها تلك الدول لرعاياها الوهابيين من أهل السلفية.
الرسوب الشرعي للفكر السلفي
إن السلفية تقول بأنها تتبع القرءان والسنة بفهم سلف الأمة، فهكذا نشرت جريدة الأهرام قول كبيرهم، وهو ما يرددونه في مجامعهم ومقابلاتهم وبالتلفاز، ومن لا يتعمق قد يغتر بمثل هذا المنهج ذي الأصول البراقة، فالجزء الأول منه يقوم به الأزهر وكل المخلصين لدينهم، أما الجزء الثاني وهو عبارة [بفهم سلف الأمة] فهو الطامة الكبرى.
فلقد اختلفت السلفية على ثلاث فرق في تفسيرهم لمفهوم سلف الأمة، فمنهم من قال انهم الصحابة، ومنهم من قال الصحابة والتابعين، ومنهم من قال بأن السلف هم رجال الثلاثة قرون الأولى.
وأيا كان وجه الحق في معنى السلف، فإن تعبير [فهم سلف الأمة] يحمل تحجرا فكريا غير مسبوق، بل ومخالف لكتاب الله، بينما يصوّر السلفيون للناس بأننا نكره الصحابة، فهكذا يداعبون عواطف السذج، بينما هم يصنعون الزيف ويمكرون بالإسلام، إذ أن ارتباط المسلم بفهم سلف الأمة يحمل في طياته إنشاء العصمة لمفهوم السلف، فيكون لدينا نص معصوم وهو القرءان، وفهم معصوم وهو فهم السلف، وبهذا نكون أصحاب أقفال على قلوبنا لقوله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا }محمد24، لأننا نكون قصرنا التدبر والفهم على السلف الصالح، وحينئذ يتعطل تنفيذنا لكل آية تقول: [أفلا تعقلون، لقوم يتفكرون، إن في ذلك لآيات لأولي الألباب....إلخ] لأنه لا فهم ولا لب ولا عقل إلا عقل السلف، وهو الخطيئة الكبرى التي تمارسها سلفية الوهابية.
بل انتهى فقه السلفية لاتِّباع الأجداد، وما أمرنا الإسلام إلا باتِّباع المنهج، ولم يتبعنا باتِّباع الأشخاص في فهمهم، وحتى حين أمرنا الإسلام أن نتبع رسول الله، فقد أمره هو أولا باتِّباع المنهج فقال تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }النحل123؛ بل أمر الناس جميعا باتباع ملة إبراهيم ولم يأمرهم باتباعه فقال سبحانه: {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ }البقرة130. وقال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً }النساء125.
وفهم السلف فهم بشري، لذلك فهو لا يحمل الصواب المطلق، وتدبر قوله تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً}النساء82؛ فالله يستحثك أنت على التدبر، والله لا يكلف نفسا إلا وسعها.
وتراهم يقولون قولا عجيبا ومصطلحا فاسدا وهو اجتهد لكن لا تختلف، ففيم الاجتهاد إن لم يثمر عن اختلاف، ولأنهم أساطين الخلاف لذلك فهم لا يحبون الاختلاف، لهذا صنعوا أصناما من قول السلف ظلوا لها عاكفين، وقالوا بالبدعة عن كل جهد وفكر للخلف، بل من عجائب فقههم ألا تقود النساء السيارات بينما يبيح ذات الفقه أن ترضع النساء الرجال.
وأنا أتحدى كل السلفية بالعالم أن يبينوا لي فهم السلف أو أي أثر صحيح لهم عن قوله تعالى: {... وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ... }الحديد25؛ فهل علم السلف شيئا عن معنى إنزال الحديد وأنه ليس من أديم الأرض!، أي انه تم إنزال الله له بعد عملية خلق الأرض، فكيف نتقيد بفهمهم وهم الذين لم يفهموا قوله تعالى عن هزيمة الروم انها تمت في أدنى الأرض، لقد كانوا يعرفون قصورهم الفكري عن استيعاب كل آيات كتاب الله، لذلك كانوا يؤمنون تسليما ببعض الآيات التي لم يأتهم تأويلها.
وهل علم السلف أي فهم عن الفرق بين الساعة والقيامة، أو الفرق في إتيان الموت بين قوله تعالى: [ حتى إذا جاء أحدهم الموت] وبين قوله تعالى: [ إذ حضر يعقوب الموت]، أي الفرق بين كلمتي [حضر وجاء] عن الموت، أو الفرق بين تعبير [ إن شاء الله و بإذن الله] وغير ذلك كثير، وكلها خارج نطاق المقال إنما أوردتها ليفهم أساطين الفكر البدوي بالقرن الواحد والعشرين أن للخلف مفهوما أعمق من السلف، وأن هذه سُنَّة الله في خلقه،
والله سبحانه يبين للخلف أكثر مما بين للسلف حيث قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }فصلت53؛ فالبث السماوي لم ينقطع عن الأرض ليتعلم الناس أمور دينهم، إنما هناك من يصرون على توقف فكرهم عند حدود بذاتها.
وليفهم أتباع السلفية بأن ذلك الفكر لا يحمل علما قدر ما يحمل تحجرا وتخلفا فكريا يسمونه إسلام، وهنا يبرز الدور الفكري للأزهر الذي يريد البعض الاستيلاء عليه وقيادة سفينة الفقه للخلف بسلفية مدعومة بالدولار والريال والدرهم.
إن على اتباع دول النفط اعتزال ذلك الدين الجديد الذي يطلقون عليه إسلام، وما هو من الإسلام في شيء، بل صدق شيخ الأزهر حين قال عنهم بأنهم خوارج العصر الحديث، وأضيف بأن مصر لا ترتضي أن تستولي حفنة بشرية لديها ضمور فكري على الأزهر، مهما كان دعمها، فمصر بلد عريق وشعب أصيل وثقافة ضاربة في عمق التاريخ، ولسنا قشورا فكرية يزرعها الشياطين اليوم ليجمعوا ثمرتها بعد ساعة من الزمن، فمهما كان دعمهم أو علمهم فلن يفلحوا إذا أبدا.
مستشار/أحمد عبده ماهر
محام بالنقض ومحكم دولي وباحث إسلامي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق