الوجه الطالح للسلف الصالح
يطيب للدعاة أن يذكروا سلفنا بخير، وهو أمر محمود من كل الوجوه، لكن حين ينحرف البعض ويكونون مذهبا يسمونه السلفية، ويقولون بأن منهاجهم الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، فهنا نحن نقف لنمحص لهم وللجميع أننا جميعا قوم خطّاءون، نصيب ونخيب، وفهم السلف ليس معصوما من الزلل حتى نقيم له مذهب، كما أن الله تعالى لم يأمرنا باتباع أشخاص، إنما أمرنا باتباع المنهج، وحتى حين أمرنا باتباع رسول الله قال له قبلها :{ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }النحل123. بما يعني أن نبينا مأمور باتباع المنهج.
بل لقد أمرنا الله في أكثر من موضع بالقرءان باتباع المنهج فقال تعالى: {قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }آل عمران95؛ وقال سبحانه: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً }النساء125؛ فالاتباع المطلوب هو اتباع الملة وليس اتباع الأشخاص لذاتهم وفهمهم.
وحيث قال سبحانه وتعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ }آل عمران144. إنما كان يعني اتباع المنهج حتى في غير وجود النبي، ومسئولية الإنسان في اتباع المنهج تتحدد وفق إدراكه وفهمه وعلاقاته وقدرته الاجتماعية والمالية والعلمية والثقافية، فلسنا مطالبين بتقليد أحد ولا فهم أحد، كما أن التقليد لا يرتكن إلى عقيدة واعية لذلك فقد نهى كثير من الفقهاء عن اتخاذ نهج التقليد.
لكن يجدر المقال أن أطرح سؤالا واحدا، هل كنا نحن فقط المقصودين بالانقلاب على العقب بعد موت النبي؟، ألم يساهم كثير من السلف الصالح في الانقلاب المنوّه عنه بالآية؟، وهل انقلبت الصحابة؟، أم إنهم لا ينقلبون أبدا؟، لذلك فقد اعتبر فقهاؤنا أقوال الصحابة أحاديث دونتها كتب الصحاح!.
لقد أُنزلت الآية الكريمة غضّة إبان حياة النبي e وكأنها تخاطب الصحابة بالمقام الأول، ومع هذا حدثت أمور تدل على أن الآية أمسكت أول ما أمسكت بتلابيب الصحابة رضوان الله عليهم، لأن كثير منهم انقلب عن المنهج، ثم توالى نشوب الانقلاب في الأجيال تترى، وهو ما سنبينه فيما يلي:ـ
1. خصومة نشبت بمجرد وفاة النبي بين الصديق أبو بكر وعمر من جانب، وعلي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء على الجانب الآخر (رضي الله عنهم أجمعين).
2. نشوب القتال بين سيدنا أبو بكر وبعض القبائل التي منعت الزكاة، وقُتِل المئات في تلك الحروب، وكلهم مسلمون بل ومن الصحابة.
3. مقتل سيدنا عمر بن الخطاب على يد أبو لؤلؤة المجوسي وقُتل يومها ثلاثة عشر صحابيا.
4. مقتل سيدنا عثمان بن عفان على يد طُغمة من فسقة السلف الصالح منهم محمد بن أبي بكر، ورفاعة بن رافع، والحجاج بن غزنة، وعبد الرحمن بن خصل الجمحي، وكنانة بن بشر النخعي، وسندان بن حمران المرادي، وبسرة بن رهم، ومحمد بن أبي حذيفة، وابن عتيبة، وعمرو بن الحمق الخزاعي بعد محاصرة بيته ولم يكتفوا بذلك بل تعدوا على امرأته بالسيف وببذيء الكلام، وأرادوا قطع رأسه بعد أن فارق الحياة، ونهبوا أمتعة المنزل وما في بيت المال، وكانوا قد منعوا عنه الماء أثناء الحصار، بل ومنعوا دفنه بمقابر المسلمين، وقد تم كل ذلك والصحابة رضوان الله عليهم موجودون بالمدينة المنورة مع سيدنا عثمان، بل منهم من ذهب إلى الحج وترك أمير المؤمنين محاصرا ينتظر الموت في ككل لحظة."
5. نشوب الحرب بين سيدنا علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، كذا نشوب حرب بينه وبين الخوارج، وإليك ما تم تدوينه مما قاله الإمام علي عند مقابلته للزبير في ساحة المعركة: "أتطلب مني دم عثمان وأنت قاتله!!.
أما عن طلحة والزبير معا: فيقول محمد باقر المحمودي في مؤلفه نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة، أن الإمام علي بن أبي طالب ذكر الأسباب الحقيقية لانقلاب طلحة والزبير عليه، فيقول:«كان طلحة يرجو اليمن، والزبير يرجو العراق، فلما علما اني غير موليهما استأذناني للعمرة يريدان الغدر، فأتيا عائشة واستخلفاها مع كل شي في نفسها ،..... وقادهما عبد الله بن عامر إلى البصرة، وضمن لهما الأموال والرجال،.... وأعانهم عليُّ يعلى بن منبه بأصوع الدنانير،... ثم أتو البصرة وأهلها مجتمعون على بيعتي وطاعتي وبها شيعتي.
أما عن طلحة والزبير معا: فيقول محمد باقر المحمودي في مؤلفه نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة، أن الإمام علي بن أبي طالب ذكر الأسباب الحقيقية لانقلاب طلحة والزبير عليه، فيقول:«كان طلحة يرجو اليمن، والزبير يرجو العراق، فلما علما اني غير موليهما استأذناني للعمرة يريدان الغدر، فأتيا عائشة واستخلفاها مع كل شي في نفسها ،..... وقادهما عبد الله بن عامر إلى البصرة، وضمن لهما الأموال والرجال،.... وأعانهم عليُّ يعلى بن منبه بأصوع الدنانير،... ثم أتو البصرة وأهلها مجتمعون على بيعتي وطاعتي وبها شيعتي.
6. ثم مقتل الحسن بن علي بن أبي طالب مسموما عمدا.
7. ثم مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب مقتولا وتم فصل رأسه عن جسده بواسطة جنود من الصحابة وكبار التابعين رضي الله عنهم أجمعين.
أليس الحسن والحسين هما سبطا رسول الله وقرّة عينه، وهما من الذين أوصى الله بهما فقال تعالى: {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ }الشورى23.
فهل تواد الصحابة وكبار التابعين مع أهل قرابة النبي من أهل بيته؟.
هل قاموا بتفعيل آية المودة لأهل قرابة رسول الله، أم انقلبوا على الآية وعلى أعقابهم كما نبأت بذلك آية موت سيدنا محمد e ؟.
وهل ينطبق حديث رسول الله الذي رواه البخاري ( إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار) على الصحابة الذين سفكوا الدماء فيما بينهم، أم أن الحديث تمت فبركته لدواعي سياسية لتثبيت حكم بنو أمية، وإذا كان كل ما بصحيح البخاري صحيح فكل الصحابة في نار جهنم، لأننا لن يمكنا إلزام الله بالصمت تجاه تلك الأفعال كما يأمرنا مشايخنا أن نفعل.
8. ولقد سفكت في هذا القرن دماء الأبرياء من المسلمين من أتباع الفرق المختلفة، فلقد تم قتل علماء المعتزلة على أيدي خلفاء الدولة الأموية لمخالفتهم مذهب السنة الحاكم.
فتم قتل معبد الجهيني [ت80] وغيلان الدمشقي [ت99] والجعد بن درهم [ت120] وما كان جرمهم إلا أنهم قالوا بمسئولية الإنسان عن تصرفاته بينما يقول أهل السنة بمسئولية الله عن تصرف الإنسان وأفعاله، فهل حين يتم نفي التهم عن الله يكون الجزاء هو القتل على يد السلف.
وتم قتل عشرة آلاف مسلم في موقعة الجمل وحدها غير معركة صفين، فلا أكون متجاوزا إن قلت بقيام المذهب السني بالسيف على رقاب العباد.
بل لا أكون متجاوزا إن ذكرت بأن أبناء هؤلاء المنقلبين على أعقابهم هم الذين دونوا لنا علوم الحديث رواية ودراية، وعلوم التفسير، وعلم الفقه.
ومن عجيب الأمر أنك لا تكاد تجد مدونات بشرية يرجع زمنها للقرن الأول الذي يقولون عنه أنه خير القرون بعد رسول الله، ولعلهم قالوا الحديث المشهور الذي يقول بخيرية القرن الأول ليطعنوا الآية القرءانية التي أشارت إلى انقلابهم على أعقابهم بعد موت رسول الله، بينما ترى موطأ الإمام مالك [ت 179] وغيرها، فهل كانت مدونات القرن الثاني أجدر بالحماية من مدونات القرن الأول؟، أم ان مصلحة بنو أمية كانت تلتقي مع طمس معالم كتابات الجيل الأول؟، وهل نصوص أحاديث رسول الله لم تكن عندهم من الأهمية بمكان رغم ما يتشدقون به من انها وحي من السماء.
ويقول بن سعد في مدونته المسماة بالطبقات الكبرى، بأن عبد الملك بن مروان [ت 86] قال لأهل المدينة مهددا:[يا أهل المدينة إن أحق الناس أن يلزم الأمر الأول لأنتم، وقد سالت علينا أحاديث من قِبَل هذا المشرق لا نعرف منها إلا قراءة القرءان، فالزموا ما في مصحفكم الذي جمعكم عليه الإمام المظلوم رحمه الله ، يقصد سيدنا عثمان، وعليكم بالفرائض التي جمعكم عليها إمامكم المظلوم رحمه الله.....الخ، فتدبر ـ رحمك الله ـ كم عانى حكام القرن الأول من المدسوسات على رسول الله باسم حديث صحيح، وما نهض بتلك الجريمة إلا رجال القرن الأول.
فهكذا بدأ مذهب أهل السنة والجماعة ، قتل وسفك دماء ولعن لعلي بن أبي طالب ، وتدوين وصناعة مناقب لبنو أمية بموجب مدسوسات قيل انها نبوية، فحق أن نقول بأن أهل السنة والجماعة هم أحفاد بنو أمية، ولست هنا مدافعا عن المذهب الشيعي، فما هذه المذاهب كلها إلا توجهات عصبية جاهلة تم إقامة التدين الإسلامي على أطلالها.
ولقد أورد البخاري في صحيحة باب اتباع الجنائز من الإيمان بالحديث رقم [ 48 ]، وبباب ما ينهى من السباب واللعن بالحديث رقم [ 5697]، وبكتاب الفتن حديث رقم [ 6665 ] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال سباب المسلم فسوق وقتاله كفر.
وقال بالحديث رقم [ 6660 ] كتاب الفتن [ من حمل علينا السلاح فليس منا ]، وقال بالحديث رقم [ 6668 ] [لا ترتدوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض].
فكيف يمكن أن نأخذ برواية الصحابي الذي قاتل أخيه في حرب على ومعاوية؟، وهل هو يكون من العدول؟، أم هو من أهل الميل؟، والله تعالى يقول: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً ...}النساء92؛ فما بالكم بمن قتله متعمدا؟!، والله تعالى يقول: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً }النساء93. لذلك وبناء على الحديث فإنه لا تقبل رواية من اشترك في تلك الحرب.
ودعني أذكرك بحقيقة شرعية، وهي أن المتلاعنين بعد اللعان يكون الفسق قد لحق بأحدهما من غير تعيين ولا تحديد لأيهما، لذلك لا تقبل شهادتهما في أي قضية أخرى قد تثور بين آخرين، كذلك فجميع من اشترك بالقتال بين على ومعاوية لا تقبل روايته للحديث لكونه تلحقه شبهة اللعنة أو غضب الله كما جاء بالقرءان، أو لشبهة الفسق أو الكفر كما ورد بالحديث.
فما رأي القارئ الكريم في شأن مدونات السنة؟.
وما رأي القارئ في رجال السلف من أهل القرن الأول؟.
وما رأي القارئ في رجال السلف من أهل القرن الأول؟.
مستشار/أحمد عبده ماهر
محام بالنقض ومحكم دولي وباحث إسلامي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق