نظرة في أصول فقه السلفية
لست أتصور ان يسمي الله أو خليله مولودا ونقوم نحن بتغيير ذلك الاسم، فقد سمانا خليل الله إبراهيم بالمسلمين من قبل واعتمد الله ذلك الإسم، لكننا لم نرتض وسمينا أنفسنا سلفيين وشيعة وسنية وأباضية وصوفية وغير ذلك من التسميات، أليس هذا تفكيك منا لمقام رفيع أراده الله لنا اسمه (المسلمين)، فالله تعالى يقول: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ .... }الحج78.، ومن يقول بأنه مسلم سلفي أو مسلم سني أو شيعي أو غير ذلك فقد اعترف بكونه لقيط ذلك الأب السلفي أو الشيعي أو الصوفي أو غير ذلك.
ولست أتصور أن تقوم مجموعة بإنشاء معصوم جديد وهو فهم السلف، وتقوم بتحنيط هذا الفكر عبر الزمن باعتبار أنه لا يأتيه الباطل لمجرد صدوره عن السلف سواء أكانوا من الصحابة أو التابعين، فالسلفية يقولون بأن منهاجهم القرءان والسنة بفهم سلف الأمة، فهم بتقيدهم بفهم سلف الأمة يكونوا قد أنشأوا معصوما جديدا وقاموا بمساواته كتفا بكتف مع القرءان والسنة، بما يعني عصمة أقوال الصحابة والتابعين رغم عدم العناية بها وبمصداقية نسبتها لهم كما تمت العناية بأحاديث رسول الله.
وتتقيد السلفية بفهم السلف رغم اختلاف ذلك السلف اختلافا شديدا مع بعضهم البعض بعد موت رسول الله، بل وقتلهم بعضهم البعض بحد السيوف، ورغم وجود منافقين من الصحابة لم يكن لأحد أن يعلمهم، ولا حتى رسول الله، وذلك من قوله تعالى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ }التوبة101. لكن السلفية تتعامى عن أمور، وتقوم بتعظيم أخرى، لتصل إلى مبتغاها في إضلال الأمة بما وصلنا من فقه الأئمة.
وقالت السلفية بأن النقل مُقدّم على العقل، فحكموا بصحة كل التخريفات والتخريجات التي وردت بكتب التراث مهما كانت دون إعمال للعقل، وذلك مخالف لمنهج التدبر واحترام الرأي الآخر، وفيه منع لحرية البحث الفقهي بزعم أن أحد القدماء من التابعين أو من الصحابة قد أدلى فيه برأي، مهما كانت درجة عدم انسجام كلام الصحابي مع المنطق أو القرءان.
فهل نعتمد قول السلف من الفقهاء ومن شُرّاح الحديث وجامعيه من الذين قالوا برضاع الكبير (البخاري ومسلم وغيرهما عن الصحابة عن رسول الله)، أو أن القرود مُكلّفَة وأنها ترجم القردة الزانية (البخاري باب القسامة في الجاهلية)، أو أن بعض اليهود مُسخوا على هيئة فئران، وبالرغم من كونهم فئران ومرّ على مسخهم أجيال إلا انهم لا يزالون يطبقون الشريعة اليهودية في الامتناع عن شرب لبن الإبل، وشرب لبن الضأن (صحيح مسلم)، وأنه يمكن للجن أن يتناكح مع الإنسية ويولد لهما ولد (ابن تيمية في كتابه فقه المرأة الكتاب الثاني فصل مناكحة الجن ص18)، أو نصدق بأن والدة الإمام مالك السيدة عالية بنت شريك ظلت حامل فيه ولم تلده إلا بعد ثلاث سنوات (سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي ج8 ص48)، أو نعتمد ما جاء به الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم عن حديث منسوب زورا لرسول الله من أنه قال نزل القرءان على سبعة أحرف فقام النووي بتفجير قنبلته النووية فقال [يعني أن فقهاء قالوا بإمكانية أن تضع غفور رحيم بدلا من سميع بصير وأن هذا فاسد لإجماع الفقهاء ] فذكر بأن علة الفساد هو إجماع الفقهاء وليس حفظ الله وتواتر القرءان، وأن حُكمُ ذلك عنده أنه يكون فاسدًا وليس حرامًا[صحيح مسلم بشرح النووي المجلد الثاني ص100]، وهل نعتمد أن الله خلق السماوات والأرض في سبعة أيام وليس ستة كما قال القرءان (صحيح مسلم باب ابتداء الخلق)، وهل يتم تأميم أملاك المرتد بعد قتله (الاختيار لتعليل المختار ص371)، وهل نعتمد تفسير الخازن الذي يقول بأن الله أخطأ في اللغة العربية في آية {لَّـكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَـئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً}النساء162؛ فيرى بأنه كان من المتعين أن يذكر الله كلمة (والمقيمون) بدلا من (المقيمين)، ومن أكبر الأخطاء التي وقعت فيها السلفية تصورهم أن السنة النبوية تنسخ القرءان، لذلك فهم يقدمون فقه الرواية على فقه الآية، وهناك آلاف الأخطاء التي تُغضب الله ويندى لها جبين العقلاء خجلا لأجل تلك الكتابات السلفية التي يعظمها ويتقيد بها الفقه السلفي، والتي تعبث بالعقيدة والشريعة بلا وجل، بل يظنون أنهم يحسنون صنعا.
لذلك لا تعجب إن رأيت السلفيين أهل علم بلا عقل أو منطق أو تجديد، ولا تعجب إن رأيتهم يُكفّرون المجتمعات لأنهم لا يرون إلا مجتمعا فاضلا هو مجتمع الصحابة والتابعين وتابعي التابعين فهم يحملون الناس كي يقلدوهم ليصلوا إلى نهج لم يتطلبه الإسلام، بل هو يعادي قويم الإسلام والتحضر والعلم والعقل، ولن نستطيع أن نتخلص من فقههم وما وصلنا من فهم السلفية البدائي إلا إذا تخلصنا من الإدراك البدائي.
وكيف نتبع السلف وقد نهانا ربنا عن ذلك، فالله لم يأمرنا أن نتبع أشخاص بل أمرنا باتباع المنهج فقال: {قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }آل عمران95؛ وقال سبحانه: {اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ }الأعراف3؛ بل إن الله حين أمرنا باتباع رسول الله كان قد أمره هو باتباع ملة إبرهيم فقال جل في علاه: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}النحل123؛ ولقد حذرنا الله من اتباع البشر من التابعين فقال سبحانه:{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}الجاثية18؛ فمن جماع ما سبق وغيره أكثر فإننا لا يجب أن نتبع السلف لاضطراب كثير من الأفكار التي وصلتنا عنهم. مستشار/أحمد عبده ماهر
محام بالنقض وكاتب إسلامي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق